Dsc 6850

بيان بطريركي في عيد الفصح المجيد

ELENBGKOUARUSSRBITESPTFRGEDESQTRROLT

  • برثلماوس

برحمة الله رئيس أساقفة القسطنطينية- روما الجديدة

والبطريرك المسكوني

إلى ملء الكنيسة

نعمة وسلام ورحمة من المسيح القائم 

لتكن معكم جميعاً

* * *

أيها الإخوة الأساقفة الأجلاء والأبناء الأحباء في الرب،

برضا الله ونعمته، واهب كل العطايا، بعد أن خضنا ميدان الصوم الكبير المقدس، وقضينا بالخشوع والورع أسبوع آلام ربنا، ها نحن نبتهج بالاحتفال بقيامته الباهرة، التي بها افتدانا من طغيان الجحيم.

إن قيامة السيد المسيح المجيدة من بين الأموات هي قيامة لكل الجنس البشري بأكمله وتذوق لكمال الجميع، وكذلك لتحقيق التدبير (الأيكونوميا) الإلهية في ملكوت السماوات. نحن نشترك في سر القيامة الذي لا يوصف في الكنيسة، ونتقدس في أسرارها المقدسة، ونختبر الفصح “الذي فتح لنا أبواب الفردوس”، ليس كذكرى لحدث وقع في الماضي، بل كجوهر الحياة الكنسية، كحضور المسيح الدائم بيننا، الذي هو أقرب إلينا أكثر من قربنا من أنفسنا. في عيد الفصح، يكتشف المؤمنون الأرثوذكس ذواتهم الحقيقية بأنهم في المسيح؛ إنهم مندمجون في حركة كل الأشياء حتى نهاية الزمان، “بِفَرَحٍ مَجِيدٍ لاَ يُعبَّر عنه ولا يُنطق به” (بطرس الأولى 1: 8)، باعتبارهم “أبناء النور. . . وأبناء النهار” (1 تسالونيكي 5: 5).

إنّ السمة المركزية للحياة الأرثوذكسية هي نبضها القيامي. لقد وصف الفلاسفة بشكل خاطئ الروحانية الأرثوذكسية بأنها “بائسة” و”كئيبة”. على النقيض من ذلك، يمتدح الغربيون بحقٍ الإدراك الراقي والواعي للأرثوذكس فيما يتعلق بمعنى وعمق التجربة الفصحية، بدون أن ينسى هذا الإيمان، أن الطريق إلى القيامة يمر عبر الصليب. لا تعترف الروحانية الأرثوذكسية بيوتوبية القيامة دون الصلب، ولا بتشاؤم الصليب دون القيامة. لهذا السبب، في الخبرة الأرثوذكسية، ليس للشر الكلمة الأخيرة في التاريخ، في حين أن الإيمان بالقيامة هو الدافع للنضال ضد وجود الشر وعواقبه في العالم، ويعمل كقوة تحويلية متجلية قوية. في الوعي الذاتي الأرثوذكسي، لا يوجد مكان للاستسلام للشر أو اللامبالاة تجاه تطور الأوضاع الإنسانية. على العكس من ذلك، فإن مساهمتها في تحويل التاريخ لها أساس لاهوتي وداعم وجودي، وهي تتحقق دون المخاطرة بتماهي الكنيسة مع العالم. يدرك المؤمن الأرثوذكسي التناقض بين الواقع الدنيوي والكمال الأخروي، ولذلك لا يمكنه أن يظل خاملاً وغير عاملٍ أمام سلبية العالم. لهذا السبب، لم تعتبر الكنيسة الأرثوذكسية أبدًا أن النضال من أجل تغيير العالم أمر لا معنى له. إن إيماننا القيامي قد حفظ وخلص الكنيسة من الانطواء واللامبالاة بالعالم من جهة، ومن العلمنة من جهة ثانية.

بالنسبة لنا نحن الأرثوذكس، فإن كل سر وكنز تقوانا الوجودي يتكثف في الفصح. عندما نسمع أن حاملات الطيب “اندهشن” عندما “دخلن القبر ورأين شابًا … لابسًا حلّةً بيضاء” (مرقس 16: 5)، فإن هذا يميز حجم وجوهر اختبارنا الإيماني كعيش لتعجب حياتي. «الاندهاش»، يعني أننا نجد أنفسنا أمام سر يزداد عمقاً كلما اقتربنا منه، بحسب ما قيل، إن إيماننا «ليس رحلة من السر إلى المعرفة، بل من المعرفة إلى السر”.

وبينما إنكار السر ينقص الإنسان وجودياً، فإن احترام السر يفتح له أبواب السماء. الإيمان بالقيامة هو التعبير الأعمق والأوضح عن حريتنا؛ أو بالأحرى، هو ولادة الحرية كقبول طوعي للعطية الإلهية الأسمى والتي هي التأله بالنعمة. إن الكنيسة الأرثوذكسية ك “مختبرة للقيامة”، هي مكان “الحرية الحقيقية”، التي تشكل بالنسبة للحياة المسيحية الأساس والطريق والمصير. قيامة المسيح هي بشرى الحرية السارة، وعطية الحرية، وضمانة “الحرية المشتركة” في “الحياة الأبدية” لملكوت الآب والابن والروح القدس.

بهذه المشاعر، أيها الإخوة الأعزاء والأبناء الأحباء، المملوؤن فرحًا كاملاً بالمشاركة في “عيد الأعياد”، والمستقبلون النور من النور الذي لا يغرب ولا يغيب، والممجدون المسيح القائم من بين الأموات ومعطي الحياة – نتذكر خلال هذا “اليوم المختار والمقدس” جميع إخوتنا وأخواتنا الذين يعيشون في ظروف صعبة – ونصلي إلى ربنا “الذي وطئ الموت بالموت”، إله السلام، أن يجلب السلام إلى العالم ويرشد خطواتنا نحو كل عمل صالح مرضيّ له، مُعلنين التسبحة المبهجة “المسيح قام!”

الفنار، الفصح المقدس 2024

† القسطنطيني برثلماوس

المتضرع من أجلكم بحرارة 

إلى الرب القائم من بين الأموات